إلى جميله حسن نصر
أمى !!
لم يكن هناك أحد ليبكى علىّ
لقد استشرت أنفاسى
كانت أوردتى تتطلع إلىّ بضجرٍ
وحناناتْ
لقد استشرت مفاصلى
كانت روحى تتوكأ على عكازٍ
وأعمى
مشوه ٌ
أبكمُ
وأصمْ
إلى درجة الفطام
انتظرت ألف سنة وأنا أتابع
صراخاتى
التى تشبه جوف القفر
أو تلك الكاتدرائيات المفخّخة
كانت جراحى التى تصّاعد إلى
السموات
مثل درّاجة هوائية
وفى فجواتٍ
بحجم الكرة الأرضيةِ
لم يكن هناك أحد ليبكى علىّ
فقط
كانت هناك
ضحكاتي التي تُشبه الأرَضَة
وكلماتى التى تتفوّق على العدم
ذاتهِ
لم تكن تلك حياتىٍ التى أريد أن
أبتكرها
لقد كانت أحبولة
وبصدق
الأمر الذى كلفنى أنشوطة ً قوية ً
لكى أطارد الريحْ
لقد كنت أطارد الأسى
لا الدمعْ
كان الدمع مثل قمٍر متفحمٍ
على عين فراشة منجرحةٍ
وكان الأسى مثل أسد رابضٍ فى
الفمْ
وكنت أتلاعب مع الفوضى
بيأسٍ كاملٍ
وعصى بخيباتٍ
وشخاليلْ !!
وها أنذا
أعطّل درّاجاتى الهوائية على شفير
الهاويةِ
لأركن حذائى المتسخ بالعالمِ
على رصيف السماء الخالى من
المارّة تمامًا
كيف لىْ
وأنا الجالس على فوهة العدم هذه
أن أطأ كل هذا العشب الشوكىّ
والطحالب المسننة
التى تنمو وبغزارةٍ على عشبة
الروح المسوًَسَة ؟!
ومن أين لها أن تعرف كل هذه
الطحالبْ
ما هو الألم ذو الأنياب والوطءْ
ولا ما هو الزمن ذو السكاكينِ والأيدْ
أو ما هى الروح ذات الصدعِ
والحراشفْ !!
وبأية آلةٍ حادةٍ يمكن لى - أنا
الجالس
على سفينة النسيان ِ
هذه -
أن أكشط من على هواء الذاكرةِ
المالحة
كراهيتى الكاملة
لكل هذا العالمِ
كيف لى أن أقلب كل هذه المائدة من
الأساطير والخرافات
التى يجلس عليها الرب
فى مواجهة الشيطانِ
بينما هما فى عراكٍ دائمٍ من
الأزلِ للأبدِ
وأنا بينها مثل كلبٍ وبلا يقين
كيف لى أن أصرخ بملء فمىْ لأقول
أن الجحيم إحدى شراكه القوية
حول روحى التى كلّت من الوطء
والوخذ !!
كيف لى أن أقول أن الوجود
الإنسانىّ
فارغ
ومثل حشرة فى دورة الزمن
وأن العنف فى الساعات
سوف أجلس على رصيف الحياة المبجّل
وأتابع تحركاتى إلى أن تحتضرْ
الشمس
أو تمور الجبال مورًا
وبلا يأس كامل
أو حتى ندم بليغ
سوف أترك لروحى المتسخة أن تنام
على عجلة الأبديةِ
إلى أن تكتشف هى الأخرى أن الوجود
لا شئ
لقد كانت حياتى لعبةً خاسرةً بالأساسْ
أو مسرحية فجة ً على طول الخطِّ
أسرفت فى البكاء لحدّ الضحك
وأسرفت في الضحك لحدّ البكاء
أنتهز هذه الفرصة لأقولٍ
لقد كانت حياتى .. بصلة وبلا شفاء
من أحدٍ
أو حتى ربيع وحيد !!
لقد عقدت اتفاقًا نهائيًا مع
العالم
أن آكل أمعائى فى الصباح
وفى الظهيرة
أجلس إلى طاولتى الخشبية لأنظفها
من كل تعب النهارْ !!
أن أضع أحلامى وكافة كوابيسى -
الليلية
والنهارية – فى درج مكتبىْ
وفى الليل أعود لأعبث بأسنانها
التى كالأرانب وأفكّك بنطلوناتها المرقّعةِ
أعرفُ
أعرفُ
أن كل هذه الأحلام التى صنعتها من
أكياس البلاستيك
ونفايات النايلون
كثيرًا ما أرصها على أرضية الزمن
الرطبة هذه
لكى أعرضها على المارة
بثمن بخسِ
أوْ لأ عدّدَ عليها شكل سنواتى
الضالةِ وعددَ خيباتى اللانهائية
أرجوكم
لا تنظروا إلىّ بشفقةٍ
مثل فأرٍ ميت أو خبيزةٍ نادمةٍ
على الأقلّ
لقد حضرت حربين عالميتين
وحفرت الآلاف من الحفر البرميليةِ
وخرجت من كافة الحروب التى دخلتها
بطلاً
وبلا إله واحدٍ
أو حتى أنبياء قدامى
لقد أجهضت الملايين من الأحلام
الصغيرةِ
من على مائدتى المتسخة هذه
وعبر هذا الليل الرنّان
انتظرت مشهد الفجرْ
وهو يطلع على عصا الليلِ
البردانةِِ
لمرةٍ واحدةٍ على الأقل ... !!
شاهدت المسيح وهو يمشى فى الأسواق
بينما يكرزِ بمعمودية الدمْ
بجسده الذي يبك بالألم
وكلماته
التى تشبه الحصىْ
لم يكن هناك من أحد ليبكى علىّ
أنا الذى أسرفت فى البكاء لحدّ
الضحك
وأسرفت فى الضحك لحد البكاءْ !!
استنهض الغبار وأقول له
سلامًا
سلامًا أيها الغبارْ الرّاسخ مثل
فمْ
لم تكن فى يوم من الأيام بلا
قدمين ضالتين
أو حتى عجيزة ضامره
لم تكن بلا أحلام ٍ أو حتى إقاماتٍ على الأرض ِ
ولم تكن كذلك بلا أسنانٍ
أو حتى أنيابْ !!
كنت تأكل الحشود مثل حشرةٍ
وتنام على مخداتي مثل يرقةٍ
أيها الألم ياأنقاضى المستترة
ويا أجزائى المنبتة من العالم
وأنتِ يا روحى
لم تكونى أبدًا
بنت الطبيعة الحية
أو الميتةِ على السواءَ
كنتِ طبيعةً وكفى
أعرف أن الحياة صعبةً وبلا
ميكانزمات
وفى داخل كل هذه الصحراوات التى
تضج بالحركة
والتى نسميها أرواحًا
سوف نركٌِب الموت على سقالاتنا
التى
بحجم الكرة الأرضية
ونقول له
أنت حصاد وأعمى
سوف نترك لك بيوضنا التى نسيها الزمن
على رصيف الأبدية الفارغ
فالتقطها
واصنع لنفسك منها أرغفة ً على حجم
مقاساتك
أيها الهالكُ المهلك
سوف نتركك تعوى على الطرقاتٍ
- مثل كلبٍ
إلى أن تقبض بنفسك على رقبةِ
الحياة
أو تشدها من غلاصمها وتقول لها
أيتها الحياة ُ ..
أيها الزمنُ ..
أيتها المقبرة ُ الإلهية ُ
ذات الأبهةِ !!
19/1/2007
صحارى سيوه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق